فصل: ومن باب في الصداق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثنا حسين بن محمد، قال: حَدَّثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس «أن جارية بكرًا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم».
قال الشيخ ففي هذا الحديث حجة لمن لم ير نكاح الأب ابنته البكر جائزًا إلا يإذنها. وفيه أيضًا حجة لمن رأى عقد النكاح يثبت مع الخيار؛ غير أن أبا داود ذكر على أثره في هذا الباب أن المعروف من هذا الحديث أنه مرسل غير متصل؛ كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ابن عباس.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن إسماعيل بن أمية، قال أخبرني الثقة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمروا النساء في بناتهن».
قال الشيخ مؤامرة الأمهات في بضع البنات ليس من أجل أنهن تملكن من عقد النكاح شيئًا، ولكن من جهة استطابة أنفسهن وحسن العشرة معهن، ولأن ذلك أبقى للصحبة وأدعى إلى الألفة بين البنات وأزواجهن إذا كان مبدأ العقد برضاء من الأمهات ورغبة منهن، وإذا كان بخلاف ذلك لم يؤمن تضريتهن ووقوع الفساد من قبلهن والبنات إلى الأمهات أميل ولقولهن أقبل، فمن أجل هذه الأمور يستحب مؤامرتهن في العقد على بناتهن والله أعلم.
وقد يحتمل أن يكون ذلك لعلة أخرى غير ما ذكرناه، وذلك أن المرأة ربما علمت من خاص أمر ابنتها ومن سر حديثها أمرًا لا يستصلح لها معه عقد النكاح، وذلك مثل العلة تكون بها، والآفة تمنع من إيفاء حقوق النكاح وعلى نحو هذا يتأول قوله: «ولا تزوج البكر إلاّ بإذنها وإذنها سكوتها»، وذلك أنها قد تستحي من أن تفصح بالإذن وأن تظهر الرغبة في النكاح فيستدل بسكوتها على سلامتها من آفة تمنع الجماع، أو بسبب لا يصلح معه النكاح لا يعلمه غيرها والله أعلم.

.ومن باب الثيب:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن مسلمة قالا: حَدَّثنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأيّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها».
قال الشيخ قد استدل أصحاب الشافعي بقوله: «الأيم أحق بنفسها من وليها» على أن ولي البكر أحق بها من نفسها، وذلك من طريق دلالة المفهوم لأن الشيء إذا قيد بأخص أوصافه دل على أن ما عداه بخلافه، وقالوا والأسماء للتعريف والأوصاف للتعليل.
قالوا والمراد بالأيم هاهنا الثيب لأنه قابلها بالبكر فدل على أنه أراد بالأيم الثيب.
وقد جاء ذكر الثيب في هذا الحديث من رواية زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بإسناده، قال الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن زياد عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بإسناده، قال الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأمرها أبوها، قال أبو داود أبوها ليس بمحفوظ.
قالوا فقوله: «الثيب أحق بنفسها من وليها» يجمع نصًا ودلالة والعمل واجب بالدلالة وجوبه بالنص ودلالته أن غير الثيب وهي البكر حكمها خلاف حكم الثيب في كونها أحق بنفسها، وتأولوا استئمار البكر على معنى استطابة النفس دون الوجوب.
قالوا ومعنى قوله: «أحق بنفسها» أي في اختيار الغير لا في العقد بدليل أنها لو عقدت على نفسها لغير كفوء رد النكاح من غير خلاف فيه.
وقد استدل به أصحاب أبي حنيفة في أن للمرأة أن تعقد على نفسها بغير إذن الولي، إلاّ أنهم لم يفرقوا بين البكر البالغ والثيب في ذلك، وقد دل الحديث على التفرقة.
وقد يحتج به أصحاب داود أيضًا لمذهبهم أن البكر لا يزوجها غير الولي، وأن للثيب أن تعقد على نفسها.
وفيه حجة لمن رأى الإشارة والإيماء من الصحيح الناطق يقوم مقام الكلام.
وعند الشافعي أن إذن البكر والاستدلال بصماتها على رضاها إنما هو بمعنى الاستحباب دون الوجوب وذلك خاص في الأب والجد فإن زوجها غير أبيها فإنه لا يرى صماتها إذنًا في النكاح.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد الأنصاريين عن خنساء بنت خدام الأنصارية «أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له فرد نكاحها».
قال الشيخ ذكرها الثيوبة في هذا الحديث يدل على أن حكم البكر بخلاف ذلك، والأوصاف إنما تذكر تعليلًا.
وأما خبر عكرمة «أن جارية بكرًا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» فقد ذكر أبو داود أنه خبر مرسل.
وإسناد حديث خنساء بنت خدام إسناد جيد متصل وقد قيل أنه كان نكاح ضرار ورووا فيه سببًا لم يحضرني إسناده.

.ومن باب الأكفاء:

قال أبو داود: حدثنا عبد الواحد بن غياث، قال: حَدَّثنا حماد، قال: حَدَّثنا محمد بن عمرو، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة «أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه، قال وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة».
قال الشيخ في هذا الحديث حجة لمالك ولمن ذهب مذهبه في أن الكفاءة بالدين وحده دون غيره وأبو هند مولى بني بياضة ليس من أنفسهم. والكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء بالدين والحرية والنسب والصناعة، ومنهم من اعتبر فيها السلامة من العيوب واليسار فيكون جماعها ست خصال.

.ومن باب تزويج من لم تولد:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى قالا: حَدَّثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مِقْسَم الثقفي من أهل الطائف، قال حدثتني سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كَرْدَمٍ قالت: «خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنا إليه أبي وهو على ناقة له ومعه درة كدرة الكتاب فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون الطبطبية الطبطبية الطبطبية فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقرَّ له ووقف عليه واستمع منه فقال إني حضرت جيش عِثران قال ابن المثنى جيش غثران فقال طارق بن المرقع من يعطيني رمحًا بثوابه، فقلت وما ثوابه، قال أزوجه أول بنت تكون لي فأعطيته رمحي ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت ثم جئته فقلت له أهلي جهزهن إليّ فحلف أن لا يفعل حتى أصدقه صداقًا جديدًا غير الذي كان بيني وبينه وحلفت أن لا أصدق غير الذي أعطيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وبقرن أيّ النساء هي اليوم، قال قد رأت القتير قال أرى أن تتركها قال فراعني ذلك ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك مني، قال: لا تأثم ولا يأثم صاحبك».
قال الشيخ قولها: «يقولون الطبطبية» يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أرادت بها حكاية وقع الأقدام أي يقولون بأرجلهم على الأرض طب طب.
والوجه الآخر أن يكون كناية عن الدرة يريد صوتها إذا خفقت.
وقوله: «بقرن» أي النساء يريد سن أي النساء هي، والقرن بنو سن واحد، يقال هؤلاء قرن زمان كذا، وأنشدني أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
إذا مضى القرن الذي أنت فيهم ** وخلفت في قرن فأنت غريب

والقتير الشيب، ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أشار عليه بتركها لأن عقد النكاح على معدوم العين فاسد، وإنما كان ذلك منه موعدًا له، فلما رأى أن ذلك لا يفي بما وعد وأن هذا لا يقلع عما طلب أشار عليه بتركها والإعراض عنها لما خاف عليهما من الإثم إذا تنازعا وتخاصما إذ كان كل واحد منهما قد حلف أن يفعل غير ما حلف عليه صاحبه وتلطف صلى الله عليه وسلم في صرفه عنها بالمسألة عن سنها حتى قرر عنده أنها قد رأت القتير أي الشيب وكبرت وأنه لا حظ له في نكاحها.
وفيه دليل على أن للحاكم أن يشير على أحد الخصمين بما هو أدعى إلى الصلاح وأقرب إلى التقوى.

.ومن باب في الصداق:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: حَدَّثنا عبد العزيز بن محمد، قال: حَدَّثنا يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم، عَن أبي سلمة قال: «سألت عائشة رضي الله عنها عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ثنتا عشرة أوقية ونَش فقلت وما نش قالت نصف أوقية».
قال الشيخ الأوقية أربعون درهمًا والنش عشرون درهمًا، وهو اسم موضوع لهذا القدر من الدراهم غير مشتق من شيء سواه والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي، قال: حَدَّثنا مُعلى بن منصور، قال: حَدَّثنا ابن المبارك، قال: حَدَّثنا معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة «أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة».
قال الشيخ معنى قوله زوجها النجاشي أي ساق إليها المهر فأضيف عقد النكاح إليه لوجود سببه منه وهو المهر.
وقد روى أصحاب السير أن الذي عقد النكاح عليها خالد بن سعيد بن العاص وهو أبو عمر بن أبي سفيان وأبو سفيان إذ ذلك مشرك وقبل نكاحها عمرو بن أمية الضمري وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

.ومن باب أقل المهر:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد عن ثابت البناني وحميد عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردغ زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَهيم فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال ما أصدقتها، قال وزن نواة من ذهب قال أولم ولو بشاة».
قال الشيخ ردغ الزعفران أثر لونه وخضابه، وقوله: «مَهيم» كلمة يمانية معناه مالك وما شأنك، ويشبه أن يكون المسألة إنما عرضت من حاله من أجل الصفرة التي رآها عليه من ردغ الزعفران، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل فأنكرها، ويشبه أن يكون ذلك شيئًا يسيرًا فرخص له فيه لقلته.
ووزن نواة من ذهب فسروها خمسة دراهم من ذهب وهو اسم معروف لمقدار معلوم.
وقوله: «أولم ولو بشاة» من الوليمة وهو طعام الأملاك.
قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن جبريل البغدادي أخبرنا يزيد أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان، عَن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل».
قال الشيخ فيه دليل على أن أقل المهر غير موقت بشيء معلوم وإنما هو على ما تراضى به المتناكحان.
وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال سفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا توقيت في أقل المهر وأدناه هو ما تراضوا به.
قال سعيد بن المسيب: لو أصدقها سوطًا لحملت له.
وقال مالك: أقل المهر ربع دينار.
وقال أصحاب الرأي: أقله عشرة دراهم، وقدروه بما يقطع فيه يد السارق عندهم، وزعموا أن كل واحد منهما إتلاف عضو.

.ومن باب التزويج على العمل يعمل:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي، عَن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلًا، فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلاّ إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئًا، قال لا أجد شيئًا، قال فالتمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن».
قال الشيخ فيه من الفقه أن منافع الحر قد يجوز أن يكون صداقًا كأعيان الأموال ويدخل فيه الإجارة وما كان في معناها من خياطة ثوب ونقل متاع ونحو ذلك من الأمور.
وفيه دليل على جواز الأجرة على تعليم القرآن والباء في قوله: «بما معك» باء التعويض كما تقول بعتك هذا الثوب بدينار أو بعشرة دراهم؛ ولو كان معناها ما تأوله بعض أهل العلم من أنه إنما زوجه إياها لحفظه القرآن تفضيلًا له لجعلت المرأة موهوبة بلا مهر وهذه خصوصية ليست لغير النبي صلى الله عليه وسلم ولولا أنه أراد به معنى المهر لم يكن لسؤاله إياها هل معك من القرآن شيء معنى لأن التزويج ممن لا يحسن القرآن جائز جوازه ممن يحسنه. وليس في الحديث أنه جعل المهر دينًا عليه إلى أجل فكان الظاهر أنه جعل تعليمه القرآن إياها مهرًا لها.
وفي للخبر دليل على أن المكافأة إنما هي في حق الدين والحرية دون النسب والمال، ألا ترى أنه لم يسأل هل هو كفؤ لها أم لا، وقد علم من حاله أنه لا مال له.
وفيه دليل على أنه لا حد لأقل المهر، وفيه أنه لم يسألها هل أنت في عدة من زوج أو وطء شبهة أو نحو ذلك أم لا، وهذا شيء يفعله الحكام احتياطًا فلو ترك تارك وحمل الأمر على ظاهر الحال وصدقها على قولها كان ذلك جائزًا ما لم يعلم خلافه.
وقد اختلف الناس في جواز النكاح على القرآن، فقال الشافعي بجوازه على ظاهر الحديث، وقال مالك لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي.
وقال أحمد بن حنبل أكرهه، وكان مكحول يقول ليس لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله.
وقال الشافعي فيمن نكح هذا النكاح إذا طلقها قبل أن يدخل بها ففيه قولان أحدهما أن لها نصف المثل والآخر أن لها نصف أجر التعليم.